تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، انطلقت أمس الثلاثاء أعمال الدورة الثالثة من منتدى الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر، الحدث الاقتصادي الأبرز الذي استقطب نخبة من صناع القرار والمسؤولين وخبراء اقتصاديين ورجال أعمال تحت شعار” الثورة الصناعية الرابعة”، لبحث واقع الاقتصاد ومستقبله عبر جلسات حوارية خمس في يومه الأول.
ويهدف الملتقى الذي تنظمه كل من هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، ومكتب الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر (استثمر في الشارقة) التابع للهيئة، بشراكة استراتيجية مع قناة CNBC عربية، إلى جذب كبريات الاستثمارات العالمية ورواد الأعمال من مختلف أنحاء العالم، لعرض الأعمال المبتكرة أمام المشاركين في الملتقى، والتعرف عن قرب على الفرص الاستثمارية التي تزخر بها إمارة الشارقة، بالإضافة إلى بحث أهمية الاقتصاد الأخضر في التنمية المستدامة، فضلاً عن أهمية الابتكار الحكومي في رفد الاقتصاد، والارتقاء بالموارد البشرية، عبر استحضار عدد من نماذج النجاح المختلفة على الصعيد الدولي.
وتضمن اليوم الأول خمس جلسات نقاشية، تبادل خلالها كبار المسؤولون وصناع القرار وخبراء اقتصاديون الآراء والخبرات، واستحضروا الأوضاع الاقتصادية الآنية، واستقرأوا المستقبل الاقتصادي، وبحثوا في الفرص الاستثمارية المتوقعة خلال السنوات القليلة المقبلة، كما استعرض المشاركون بوصلة التوجهات الاقتصادية عبر عدد من القضايا التي تستشرف مستقبل الاقتصاد الكوني، والانعكاس المتأتي من استخدام التقنيات الحديثة عبر شعار المنتدى” الثورة الصناعية الرابعة”.
الاستثمار الأجنبي قوة دافعة للاقتصاد
وبحث المنتدى عبر الجلسة الحوارية الأولى التي حملت عنوان “الاستثمارات الأجنبية المباشرة” أهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة وجدواها للهرم الاقتصادي لإمارة الشارقة والدولة على حد السواء، بمشاركة سعادة مروان بن جاسم السركال، المدير التنفيذي لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير(شروق)، والبروفيسور د. جيوفاني بوزيتي، مؤسس ورئيس مؤسسة “إي. إف. جي” للاستشارات، بالإضافة إلى ديباك سي. خانا، مدير قسم الاستثمار في مؤسسة التمويل الدولية، والمدير التنفيذي للتعاون الدولي في وكالة “بيزنس فرانس” فيليب ييفرنياو.
وقال سعادة مروان بن جاسم السركال، المدير التنفيذي لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير(شروق)، “تتمثل أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر في كونه قوة دافعة للاقتصاد المحلي، لتحسين قدرته على التفاعل مع الاقتصاد العالمي والمشاركة في العملية الإنتاجية الدولية، بحيث يصبح هذا الاستثمار جزءاً أساسياً من الرافعة التي تنقل الاقتصاد، إلى اقتصاد أكثر كفاءة وأكثر فعالية وارتباطاً بالاقتصاد العالمي ومساهماً في العملية الإنتاجية الدولية، وبناءً على ذلك يمكننا تعريف الاستثمار من الناحية الاقتصادية بأنه تخصيص رأس المال للحصول على وسائل إنتاجية جديدة لتطوير الوسائل الموجودة، بهدف زيادة الطاقة الإنتاجية”.
وأوضح السركال: “إن المنتدى بعد النجاحات التي حققها خلال الدورتين الماضيتين، بات بمثابة منصة استراتيجية مهمة لإمارة الشارقة، حيث لعب دوراً حيوياً في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر التي ساهمت ولا تزال تساهم بشكل فاعل في النمو الاقتصادي الذي تشهده الإمارة، حيث تساعد في نتاج سلع جديدة من شأنها إثراء التجارة البينية، وبذلك تسهم بشكل مباشر في النمو الاقتصادي لدولة الإمارات “.
ولفت السركال إلى أن الاستقرار يعدّ أحد أبرز عوامل جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تبحث عن ملاذات استثمارية آمنة، فضلاً عن الدعم الحكومي المتواصل، الذي بدأه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في سبعينيات القرن الماضي، عندما أشار باستحداث منظومة عمل تفتح الباب للقطاعات الاستثمارية الأجنبية، متطرقاً في الوقت ذاته إلى الأهمية البالغة، التي يمثلها توفير المعلومات اللازمة للشركات الكبرى والناشئة، والتي من شأنها تسهيل عملية البحث والتقصي عن أماكن الاستثمار الملائمة، مع تبيان حجم الفرص الاستثمارية وتنوعها، لاستقطاب رؤوس الأموال وتحويل الإمارة إلى منطقة جاذبة وحاضنة للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وفي سياق متصل أكد جيوفاني بوزيتي مؤسس ورئيس مؤسسة “إي. إف. جي” للاستشارات أن دولة الإمارات العربية المتحدة في عمومها وإمارة الشارقة على التحديد، وفرت خلال سعيها لترسيخ مكانتها كوجهة استثمارية عالمية، كافة الإمكانات اللازمة، واستحدثت القوانين الملائمة، لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة طويلة الأجل، والتي تضمن مصلحة دائمة للكيان الاقتصادي المستثمر لما لهذا الاستثمار من عوائد مالية وفوائد استثمارية يتضح أثرها في تنوع المنتج الذي ينعكس على الأداء الاقتصادي للإمارة.
وارتأى مدير قسم الاستثمار في مؤسسة التمويل الدولية ديباك سي. خانا أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية ترتبط بعاملي الاستقرار وآليات تجنيب المخاطر التي تهم المستثمرين، وهي عوامل توفرها الدولة التي احتلت المرتبة 16 من بين 138 دولة على هذا الصعيد.
وبدوره أشاد فيليب يفرنياو المدير التنفيذي للتعاون الدولي في وكالة “بيزنسفرانس” بموضوع المنتدى ومدى أهميته للشركات الأجنبية، موضحاً أن الأزمة المالية العالمية وتباطؤ الاقتصادات، دفع الكثير من الشركات إلى البحث عن أسواق آمنة وملاذات استثمارية مستقرة، وهو الأمر الذي توفره دولة الإمارات، في إطار منظومة اقتصادية شجعت على الاستثمار الأجنبي وقدمت له التسهيلات، لاكتساب معارف تقنية جديدة والانتقال إلى تنويع في المنتج وخلق فرص وظيفية هائلة.
الاقتصاد الأخضر
وتناولت الجلسة الثانية التي انطلقت تحت عنوان “الاقتصاد الأخضر من أجل تنمية مستدامة” أهمية الاقتصاد الأخضر حيث اعتبر المتحدثون خلال الجلسة أنه الطريق إلى التنمية المستدامة باعتباره اقتصاداً يمس التفاصيل الحياتية والمسيرة الإنمائية للبلدان، إذ يشمل الطاقة المستدامة، وكفاءة استهلاك المياه وإدارتها، والوظائف الخضراء، وتقليص الانبعاثات الكربونية، والنقل المستدام، والمباني الخضراء، والزراعة، ومصائد الأسماك، وصون الغابات، وإدارة النفايات، والسياحة المستدامة، وكفاءة استغلال الموارد.
وعرًف المتحدثون مفهوم الاقتصاد الأخضر بأنه ذلك الاقتصاد الذي ينشأ مع تحسن الوجود الإنساني عن طريق تخفيض المخاطر البيئية، عبر تقليص نسب الانبعاث الكربوني واستخدام الموارد بكفاءة.
وأكد راشد عبيد الليم رئيس هيئة كهرباء ومياه الشارقة خلال الجلسة، أن المفاهيم الاقتصادية القديمة أهملت أهمية البعد البيئي في التنمية الاقتصادية، فأصبحت غير ملائمة للتحليل الاقتصادي، وظهرت في السنوات القليلة الماضية مفاهيم اقتصادية جديدة ذات أهمية بالغة، تهدف إلى تصحيح الاختلالات البيئية، مشيراً إلى أن مصطلح الاقتصاد الأخضر يربط بين الاقتصاد والبيئة، باعتباره نموذجاً جديداً من نماذج التنمية الاقتصادية السريعة ، والذي يقوم أساساً على المعرفة للاقتصادات البيئية، بهدف معالجة العلاقة المتبادلة بين الاقتصاديات الإنسانية والنظام البيئي الطبيعي، والأثر العكسي للنشاطات الإنسانية على التغير المناخي، والاحتباس الحراري بما يناقض نموذج ما يعرف بالاقتصاد الأسود والذي يرتكز بالأساس على استخدام الوقود الأحفوري مثل الفحم الحجري والبترول والغاز الطبيعي.
من جانبه أكد خالد عيسى الحريميل الرئيس التنفيذي لشركة بيئة، أن ما أفرزه النموذج الاقتصادي التقليدي السائد، من تأثيرات سلبية كبيرة على البيئة الطبيعية، تشكل مخاطر بيئية عالمية، مثل حدوث ظاهرة التغير المناخي، ونقص المياه ومصادر الطاقة، وزيادة كميات النفايات، وزيادة البصمة الكربونية للأفراد والمجتمعات، موضحاً أن هذه المخاطر البيئية تمثل تهديدات خطيرة على الأجيال المقبلة التي لها الحق في أن تنعم بمصادر طبيعية نقية مؤكداً على ضرورة التحول إلى الاقتصاد الأخضر لتحقيق التنمية المستدامة والتقليل من المخاطر البيئية والاجتماعية.
وبين أن دولة الإمارات بصمة بيئية واضحة من خلال تبنيها منهجية الاقتصاد الأخضر، في مجالات ترشيد استهلاك المياه والكهرباء، والطاقة المتجددة وغيرها، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها، لافتاً إلى أن هذه الصعوبات لم تثني من عزيمة الدولة على مواجهة هذه التحديات بتبنيها سياسة الاقتصاد الأخضر، وإدراجها كأولوية في طريق التنمية المستدامة، فضلاً عن العديد من المبادرات والبحوث التي تصب في مصلحة هذا النوع من الاقتصاد.
واستحضر الحريميل شركة بيئة كنموذج ناجح في إمارة الشارقة، مشيراً إلى أن بيئة وصلت في تدوير النفايات إلى نسبة 70 %، وتسعى بلوغ صفر بالمئة، بالإضافة إلى ذلك اعتبر أن شركة بيئة ذات الطابع الشراكي بين الحكومة والقطاع الخاص فتحت الباب أمام الشراكات الاستثمارية، ووقعت العديد من الاتفاقات عابرة الحدود من السعودية على الأردن وصولاً على الهند.
وكشف الرئيس التنفيذي لشركة بيئة عن مشروع فريد من نوعه أطلقته بيئة، يتعلق بترشيد استهلاك المياه بالاعتماد على أفضل الحلول والتقنيات، لافتاً إلى أن ذلك يضيف قيمة حقيقية للاقتصاد.
وخلص المتحدثون في ختام الجلسة إلى أهمية الاقتصاد الأخضر في التنمية المستدامة للمجتمعات، داعين إلى التنويع الاقتصادي، وتبني مقاربة الاقتصاد الأخضر ليس في دولة الإمارات فحسب بل في دول مجلس التعاون الخليجي قاطبة.
ولفتوا إلى أن التحديات التي تواجه هذا النوع من الاقتصاد كثيرة، ولكنهم أكدوا في القوت ذاته على قدرة الدولة من خلال رؤية الإمارات 2021 وعبر مبادراتها الخضراء على تجاوز التحديات والصعوبات التي تواجه الاقتصاد الأخضر من خلال التركيز على الطاقة الخضراء التي يتم توليدها بواسطة الطاقة المتجددة، والمحافظة على مصادر الطاقة واستخداماتها كمصادر طاقة فعالة، لخلق ما يعرف بفرص العمل الخضراء، والإنتاج الأخضر، الذي يشمل الزراعة العضوية، وتشجيع المنتجات العضوية، والمتاجر الخضراء، بالإضافة إلى ضمانة النمو الاقتصادي المستدام والحقيقي، ومنع التلوث البيئي، والاحتباس الحراري، واستنزاف الموارد الطبيعية.
(بيان صحفي)