بعيدا عن الأضواء اللامعة وناطحات السحاب على الساحل الغربي لدولة الإمارات العربية المتحدة، تشتهر كلباء بهدوئها الطاغي ومناطق الجمال الطبيعي. ويهدف مشروع كلباء للسياحة البيئية، وهو الأكبر من نوعه بالدولة، إلى تأسيس منصة للتنمية السياحية المستدامة. غير أن الحكومة تحرص دائما على أن تظل قضية الحفاظ على التراث الطبيعي هي قمة الأولويات.
وتستهدف الخطة الاستراتيجية لتطوير البنية الأساسية للسياحة في كلباء إلى تعظيم الاستفادة من مراكز الجمال الطبيعي في المنطقة، وفي نفس الوقت إدارة تأثيرات السياحة على البيئة، وهي الخطة التي تقودها هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، بالتعاون مع الهيئات المحلية وهيئة البيئة والمحميات الطبيعية بالشارقة (EPAA).
وقد أصدر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة عام 2012 المرسوم الأميري رقم 27 باعتبار منطقة أشجار “القرم والحفية” كمحمية طبيعية. وحسب المرسوم فإن مساحة المحمية تصل إلى نحو 5 كيلومترات وهي تضم خور كلباء (خور كلباء من الماء المالح) وبحيرة كلباء والأراضي الرطبة المحيطة ومستنقعات الملح وغابات المانجروف. وقد تم إدراج المحمية الطبيعية عام 2013 ضمن الاتفاقية الدولية للأراضي الرطبة ذات الأهمية العالمية (Ramsar)، حيث توفر المحمية الدعم لكافة عناصر النظام البيئي وخاصة بالنسبة للعديد من السلالات المهددة بالإنقراض، ومن بينها طيور الرفراف المطوق العربي، واسمه العلمي هو (Todiramphus chloris kalbaensis).
وعلى صعيد الأهداف التجارية والترفيهية، فإن عملية تطوير البنية الأساسية بالمنطقة المحيطة ببحيرة كلباء الصناعية تشمل إقامة كورنيش على شاطئ البحيرة يتضمن حدائق ومحلات للبيع بالتجزئة ومرافق عامة سواء للمقيمين أو الزائرين. كما تتضمن الخطط إقامة مجمع للتسوق يشتمل على مطاعم ومحلات تجارية وترفيهية إلى جانب توفير أماكن أكثر لانتظار السيارات وكذلك الحدائق العامة والأماكن المفتوحة إلى جانب “نافورة” للبحيرة وجزر صناعية. ومن المقرر الانتهاء من إنشاء طريق كلباء الدائري الجديد في وقت لاحق من العام الحالي وذلك بهدف تخفيف حدة الاختناقات المرورية في
وتقتصر خطط التطوير في المناطق الرطبة المسيجة وكذلك غابات المانجروف بكلباء على توفير الوسائل التي تمكن الزائرين من رؤية والتمتع بالتنوع البيولوجي للمنطقة في نفس الوقت الذي توفر فيه الحماية لكافة عناصر النظام البيئي والحياة البرية. ويعتبر “نزل الرفراف” Kingfisher Lodge المقرر الانتهاء من إقامته خلال صيف 2017، والذي قامت (شروق) بالترويج له خلال معرض السفر الدولي ببرلين ITB هذا العام، هو أبرز تلك المشروعات. ويحمل مشروع الضيافة الجديد اسم طائر الرفراف الذي ينتشر بالمنطقة، وهو يطل على خليج عمان وغابات المانجروف بكلباء، وهو يوفر تجربة إقامة فريدة حيث يضم 20 خيمة فاخرة، يتمتع كل منها بحوض سباحة خاص، ومرافق فندقية من فئة الخمسة نجوم.
تجدر الإشارة إلى أن هناك خططا لإقامة العديد من الفنادق والمشروعات السياحية خارج المنطقة المحمية تشمل فندقا من فئة الخمسة نجوم ومنتجع فخم من الخيام ومواقع للتخييم وكذلك مناطق لوسائل الترفيه. ويعتبر منتزه وحديقة الحفية الذي تم افتتاحه للزائرين عام 2015 من أوائل تلك المشروعات.
وفي نفس الوقت قامت EPAAبتطوير مركز الحفية لصون البيئة الجبلية وإقامة محمية بالقرب من طريق الشارقة- كلباء بهدف حماية سلالات الحيوانات المهددة بالإنقراض في المنطقة، خاصة في ظل هشاشة عناصر النظام البيئي، فضلا عن إقامة منطقة جذب سياحي، وفق أعلى المستويات العالمية. يمتد المركز على مساحة 12 كيلو متر مربع على حدود جبال حِجر، وهو يركز على الحفاظ على السلالات الحيوانية التي تعيش في البيئات الجبلية إلى جانب توفير العلاج والتغذية والإكثار، فضلا عن التعليم والبحوث في هذا المجال. وتتمتع الشارقة برصيد عريق في رعاية برامج تربية وإكثار الحيوانات البرية، وقد قامت قبل نحو 20 عاما بتأسيس مركز حماية وإكثار الحيوانات العربية البرية المهددة بالانقراض (BCEAW).
ويوفر المركز جناحا مجهزا لخدمة الزائرين، حيث يعمل به فريق من المرشدين الأكفاء بدوام كامل، لتقديم المعلومات للزائرين حول الحياة البرية العربية والرد على استفساراتهم في هذا الصدد، كما يتوافر معرض دائم ومرافق سياحية. وقد أصبج المركز مقرا لمعيشة الذئب العربي، والطهر العربي، وكلاهما مهدد بالإنقراض حسب تصنيف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN، وكذلك الضبع العربي، والمصنف باعتباره يقترب من أن يكون مهددا بالإنقراض. وقد سجل المركز نجاحا لافتا مؤخرا في عملية إكثار الغزال العربي المهدد بالإنقراض، وذلك ضمن عملية إكثار لمجموعة منها تمت عام 2012.
وقد تم افتتاح مركز كلباء للطيور الجارحة بأحد ضواحي المدينة والذي يوفر مقرا لمعيشة العديد من أنواع الطيور الجارحة سواء المحلية أو المهاجرة. ويمكن لزائري المركز رؤية الطيور الجارحة مثل “الشونة البومة” و”عقاب الحيات” و”العقاب الأسفع الكبير” و”العقاب النوبي”. ويتم يوميا خلال أشهر الشتاء تقديم عروض حية وعروض للطيور الجارحة للزائرين.
ويسجل خبراء البيئة تفاؤلا حذرا، إزاء نتائج الجهود الخاصة بحماية الأراضي الرطبة وغابات المانجروف بكلباء. وخلال العامين الماضيين، اكتشف الباحثون في EPAA ما يتراوح بين 120-150 من السلاحف البحرية بساحل كلباء وأشجار المانجروف (السلاحف الخضراء والسلاحف ضخمة الرأس والسلاحف صقرية المنقار)، بما فيها بعض السلالات التي لم تظهر في المنطقة منذ 30 سنة. ويجري التخطيط لإقامة مركز لعلاج السلاحف وفق أحدث التكنولوجيات العالمية، بهدف تقديم العناية العاجلة والطارئة وكذلك خدمات البحوث والمتابعة والعلاج على المدى الطويل إلى جانب توفير فرصة مشاهدة الزواحف بشكل علمي، للزائرين.
المصدر: شروق، EPAA